فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفراء: {مخلقة} تامّ الخلق، {وغير مخلقة} السقط، ومنه قول الشاعر:
أفي غير المخلقة البكاء ** فأين الحزم ويحك والحياء

واللام في {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} متعلق بـ {خلقنا} أي خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم {وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نشاء} روى أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم أنه قرأ بنصب {نقرّ} عطفًا على نبين، وقرأ الجمهور: {تقر} بالرفع على الاستئناف، أي ونحن نقرّ.
قال الزجاج: نقرّ بالرفع لا غير، لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقرّ في الأرحام ما نشاء.
ومعنى الآية: ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطًا {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو وقت الولادة، وقال ما نشاء، ولم يقل: من نشاء، لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح، وقرئ: {ليبين} {ويقرّ} و{يخرجكم} بالتحتية في الأفعال الثلاثة، وقرأ ابن أبي وثاب: {ما نشاء} بكسر النون {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلًا، أي أطفالًا، وإنما أفرده أرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد.
قال الزجاج: طفلًا في معنى أطفالًا، ودلّ عليه ذكر الجماعة: يعني في: نخرجكم، والعرب كثيرًا ما تطلق اسم الواحد على الجماعة، ومنه قول الشاعر:
يلحينني من حبها ويلمنني ** إن العواذل لسن لي بأمير

وقال المبرد: هو اسم يستعمل مصدرًا كالرضا والعدل، فيقع على الواحد والجمع، قال الله سبحانه: {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ} [النور: 31].
قال ابن جرير: هو منصوب على التمييز كقوله: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء مّنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4].
وفيه بعد، والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور، والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} قيل: هو علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة له، كأنه قيل: نخرجكم لتكبروا شيئًا فشيئًا ثم لتبلغوا إلى الأشدّ.
وقيل: إن ثم زائدة والتقدير: لتبلغوا وقيل: إنه معطوف على نبين.
والأشدّ هو: كمال العقل وكمال القوّة والتمييز.
قيل: وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يعني: قبل بلوغ الأشدّ، وقرئ: {يتوفّى} مبنيًّا للفاعل.
وقرأ الجمهور: {يتوفى} مبنيًّا للمفعول {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} أي أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل، ولهذا قال سبحانه: {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} أي شيئًا من الأشياء، أو شيئًا من العلم، والمعنى: أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها، لا علم له ولا فهم، ومثله قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} [التين: 4، 5]، وقوله: {وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ في الخلق} [ياس: 68].
{وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} هذه حجة أخرى على البعث، فإنه سبحانه احتج بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات، والهامدة: اليابسة التي لا تنبت شيئًا، قال ابن قتيبة: أي ميتة يابسة كالنار إذا طفئت.
وقيل: دارسة، والهمود: الدروس، ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبًا ** وأرى ثيابك باليات همودا

وقيل: هي التي ذهب عنها الندى.
وقيل: هالكة، ومعاني هذه الأقوال متقاربة {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ} المراد بالماء هنا: المطر، ومعنى: اهتزّت: تحركت.
والاهتزاز: شدّة الحركة، يقال: هززت الشيء فاهتزّ، أي حركته فتحرك، والمعنى: تحركت بالنبات؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة، فسماه اهتزازًا مجازًا.
وقال المبرد: المعنى: اهتزّ نباتها فحذف المضاف.
واهتزازه شدة حركته، والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض.
ومعنى ربت: ارتفعت، وقيل: انتفخت.
والمعنى واحد، وأصله: الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربوًا: إذا زاد، ومنه الربا والربوة.
وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس: {وربأت} أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الرابية، وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف يقال له: رابىء ورابئة وربيئة {وَأَنبَتَتْ} أي أخرجت {مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كلّ صنف حسن ولون مستحسن، والبهجة: الحسن.
وجملة: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} مستأنفة، لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق أرادته واقتداره.
قال بعد ذلك هذه المقالات، وهي إثبات أنه سبحانه الحق، وأنه المتفرد بإحياء الموتى، وأنه قادر على كل شيء من الأشياء، والمعنى: أنه المتفرد بهذه الأمور، وأنها من شأنه لا يدّعي غيره أنه يقدر على شيء منها، فدلّ سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق؛ وأن وجود كل موجود مستفاد منه، والحق هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول.
وقيل: ذو الحقّ على عباده.
وقيل: الحقّ في أفعاله.
قال الزجاج: {ذلك} في موضع رفع، أي الأمر ما وصفه لكم وبيّن بأن الله هو الحق.
قال: ويجوز أن يكون {ذلك} نصبًا.
ثم أخبر سبحانه بأن {الساعة ءَاتِيَةٌ} أي في مستقبل الزمان، قيل: لابد من إضمار فعل، أي ولتعلموا أن الساعة آتية {لاَ رَيْبَ فِيهَا} أي لا شك فيها ولا تردّد، وجملة: {لاَ رَيْبَ فِيهَا} خبر ثانٍ للساعة، أو في محل نصب على الحال.
ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} فيجازيهم بأعمالهم، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ، وأن ذلك كائن لا محالة.
وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال: لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ} إلى قوله: {ولَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال: «أتدرون أيّ يوم ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال: يا ربّ وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدًا إلى الجنة»، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير»، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» فكبّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» فكبّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» فكبّروا، قال: ولا أدري قال الثلثين أم لا. وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعًا نحوه، وقال في آخره: «اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه: يأجوج وماجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس»، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال: «اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة» وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعًا نحوه.
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعًا نحوه أيضًا.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال: «من يأجوج وماجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ} قال: كتب على الشيطان.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله: {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} قال: اتبعه.
وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا.
وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قال: المخلقة ما كان حيًّا، وغير المخلقة ما كان سقطًا.
وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال: حسن.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال: من علم أن الله عز وجل حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؛ دخل الجنة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}.
أخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن معاذ بن جبل قال: من علم أن الله عز وجل حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، دخل الجنة.
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن عائشة عن أبي بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا صلى الصبح مرحبًا بالنهار الجديد والكاتب والشهيد، اكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأشهد أن الدين كما وصف، والكتاب كما أنزل، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور».
وأخرج الحاكم في تاريخه عن أنس رفعه: «من قال في كل يوم أربع مرات: أشهد أن الله هو الحق المبين، وأنه يحيي ويميت، وأنه على كل شيء قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، صرف الله عنه السوء».
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} قال: يضاعف الشيء وهو واحد.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثاني عطفه} قال: هو المعرض من العظمة، إنما ينظر في جانب واحد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ثاني عطفه} قال: لاوي رأسه معرضًا موليًّا لا يريد أن يسمع ما قيل له.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثاني عطفه} قال: لاوي عنقه.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ثاني عطفه} قال: يعرض عن الحق {له في الدنيا خزي} قال: قتل يوم بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ثاني عطفه} أنزلت في النضر بن الحارث.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ثاني عطفه} قال: هو رجل من بني عبد الدار. قلت: شيبة؟ قال: لا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثاني عطفه} يقول: يعرض عن ذكري.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثاني عطفه} قال: متكبرًا في نفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: بلغني أن أحدهم يُحْرَق في اليوم سبعين ألف مرة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}.
قوله: {ذلك}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه مبتدأ، والخبرُ الجارُّ بعدَه. والمُشارُ إليه ما تقدَّم مِنْ خَلْقِ بني آدمَ وتطويرهم. والتقدير: ذلك الذي ذكَرْنا من خلقِ بني آدم وتطويرهم حاصلٌ بأنَّ اللهَ هو الحق وأنه، إلى آخره. والثاني: أنَّ {ذلك} خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: الأمرُ ذلك. الثالث: أنَّ {ذلك} منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ أي: فَعَلْنا ذلك بسببِ أنَّ الله هو الحق. فالباء على الأولِ مرفوعةُ المحلِّ، وعلى الثاني والثالث منصوبَتُه.
قوله: {وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ}: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه عطفٌ على المجرورِ بالباء أي: ذلك بأنَّ الساعةَ. والثاني: أنه لَيس معطوفًا عليه ولا داخلًا في حَيِّزِ السببية. وإنما هو خبرٌ. والمبتدأ محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، والتقدير: والأمرُ أنَّ الساعةَ. و{لا ريبَ فيها} يُحتمل أَنْ تكونَ هذه الجملةُ خبرًا ثانيًّا وأن تكونَ حالًا.
قوله: {ومِنَ الناس}: جعل ابنُ عطية هذه الواوَ للحال فقال: وكأنه يقول: هذه الأمثالُ في غاية الوضوحِ، ومن الناس مع ذلك مَنْ يجادِلُ، فكأن الواوَ واوُ الحال، والآية المتقدمةُ الواوُ فيها واوُ عطف. قال الشيخ: ولا يُتَخَيَّلُ أنَّ الواوَ في {ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ} واوُ حال، وعلى تقديرِ الجملة التي قَدَّرها قبله لو كان مُصَرَّحًا بها فلا تتقدر بـ: إذ، فلا تكونُ للحالِ وإنما هي للعطف. قلت: ومَنْعُه مِنْ تقديرها بـ: إذ فيه نظرٌ، إذ لو قُدِّر لم يلزَمْ منه محذورٌ.
قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يجوز أن يتعلَق بـ: يُجادِلُ، وأَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ فاعل يجادل أي: يجادِلُ ملتبسًا بغير عِلْمٍ أي: جاهلًا.
قوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ}: حالٌ مِنْ فاعلِ يُجادل أي: معترضًا. وهي إضافة لفظيةٌ نحو: {مُّمْطِرُنَا}. والعامَّةُ على كسرِ العين وهو الجانُب، كنى به عن التكبُّر. والحسن بفتح العين، وهو مصدرٌ بمعنى التعطُّف، وصفة بالقسوةِ.
قوله: {لِيُضِلَّ} متعلقٌ: إمَا بـ: {يُجادِلُ}، وإمَا بـ: {ثانيَ عِطْفِهِ}. وقرأ العامَّة بضم الياء مِنْ {يُضِلُّ} والمفعولُ محذوفٌ أي: ليُضِلَّ غيرَه. وقرأ مجاهد وأبو عمروٍ في روايةٍ فتحها أي: ليَضِلَّ هو في نفسه.
قوله: {لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} هذه الجملةُ يجوز أن تكونَ حالًا مقارِنَةً أي: مُسْتحقًّا ذلك، وأن تكونَ حالًا مقدرةً، وأن تكونَ مستأنفةً. وقرأ زيد بن علي {وأُذِيْقُه} بهمزة المتكلم. {وعذابَ الحريق} يجوز أَنْ يكون من باب إضافة الموصوف لصفتِه، إذ الأصلُ: العذاب الحريق أي: المُحْرِق كالسَّميع بمعنى المُسْمِع.
قوله: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ}: كقوله: {ذلك بِأَنَّ الله} [الآية: 6]. وكذا قوله: {وَأَنَّ الله} يجوز عطفُه على السبب. ويجوز أن يكونَ التقديرُ: والأمرُ أنَّ الله، فيكون منقطعًا عما قبله.
وقوله: {ظَلاَّمٍ} مثالُ مبالغةٍ. وأنت إذا قلت: ليس زيدٌ بظلاَّمٍ لا يلزمُ منه نفيُ أصلِ الظلمِ؛ فإنَّ نَفْيَ الأخصِّ لا يَسْتلزم نَفْيَ الأعمِّ. والجواب: أن المبالغةَ إنما جِيْءَ بها لتكثيرِ مَحَالِّها فإن العبيدَ جمعٌ. وأحسنُ منه أنَّ فعَّالًا هنا للنسَبِ أي: ليس بذي ظلم لا للمبالغة. اهـ.